آداب دخول المدينة المنورة
و اذا عرفت فضل زيارتهم و سرها، و عظم قدرهم و جلالة شانهم، فينبغي ان تكثر التواضع
و التخضع و الانكسار عند الدخول في بلادهم، و مراقدهم المنورة، و مشاهدهم المكرمة،
و تستحضر في قلبك عظمتهم و جلالهم، و تعرف عظيم حقهم، و غاية جدهم و سعيهم في ارشاد
الناس و اعلاء كلمة الله.
فاذا قربت المدينة المنورة، و وقع بصرك على حيطانها، تذكر انها البلدة التي اختارها
الله لنبيه صلى الله عليه واله وسلم ، و جعل اليها هجرته، و انها البلدة التي فيها
شرع فرائض ربه و سننه، و جاهد عدوه، و اظهر بها دينه، و لم يزل قاطنا بها الى ان
توفاه الله، و جعل تربته فيها.
ثم مثل في نفسك اقدام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عند تردداتك فيها، و تذكر
انه ما من موضع قدم تطاه الا و هو موضع قدمه العزيز، فلا تضع قدمك عليه الا على
سكينة و وجل، و كن متذكرا لمشيه و تخطيه في سككها، و تصور سكينته و وقاره، و خشوعه
و تواضعه لعظمة ربه، و ما استودع الله في قلبه من عظيم معرفته و رفعة ذكره، حتى
قرنه بذكر نفسه، و انزل عليه كلامه العزيز، و اهبط عليه روح الامين و سائر ملائكته
المقربين، و احبط عمل من هتك حرمته، و لو برفع صوته فوق صوته. ثم تذكر ما من الله
به على الذين ادركوا صحبته، و سعدوا بمشاهدته و استماع كلامه، و اعظم تاسفك على ما
فاتك من صحبته، و تضرع الى الله الا تفوتك صحبته في الآخرة، و لتعظم رجاءك في ذلك،
بعد ان رزقك الله الايمان، و اشخصك من ارضك لاجل زيارته، محبة له، و تشوقا اليه. ثم
اذا دخلت مسجده، فتذكر ان اول موضع اقيمت فيه فرائض الله تلك العرصة، و انها تضمنت
افضل خلق الله حيا و ميتا، فارج الله غاية الرجاء ان يرحمك بدخولك اياه خاشعا
معظما، و ما اجدر ذلك المكان بان يستدعي الخضوع من قلب كل مؤمن.
ثم اذا اتيته للزيارة، فينبغى ان تقف بين يديه خاضعا خاشعا خائفا، و تزوره ميتا كما
تزوره حيا، و لا تقرب من قبره الا كما تقرب من شخصه الكريم لو كان حيا، اذ لا فرق
بين ميته و حيه، و لو وجدت التفرقة في قلبك لما كنت مؤمنا، و لتعلم انه عالم بحضورك
و قيامك و زيارتك، و انه يبلغه سلامك و صلواتك. فمثل صورته الكريمة في خيالك، جالسا
على سرير العظمة بحذائك. و احضر عظيم رتبته في قلبك، و قد ورد: ان الله تعالى و كل
بقبره ملكا يبلغه سلام من سلم عليه من امته. و هذا في حق من لم يحضر قبره، فكيف بمن
فارق الاهل و الوطن، و قطع البوادي شوقا الى لقائه، و اكتفى و قنع بمشاهدة مشهده
المنور، اذ فاتته مشاهدة طلعته البهية و غرته الكريمة. و قد قال صلى الله عليه واله
وسلم : "من صلى عليمرة، صليت عليه عشرا".
فهذا جزاؤه عليه في الصلاة عليه بلسانه، فكيف بالحضور لزيارته ببدنه؟
و اذا فرغت من زيارته، فات المنبر و امسحه بيدك، و خذ برمانيته، و امسح بهما وجهك و
عينيك، و تضرع الى الله، و ابتهل اليه، و اسال حاجتك. و توهم صعود النبى صلى الله
عليه واله وسلم المنبر، و مثل في قلبك طلعته البهية، قائما على المنبر، و قد احدق
به المسلمون من المهاجرين و الانصار، و هو يحمد الله بافصح الكلمات و اللغات و يحث
الناس على طاعة الله. و اسال الله الا يفرق في القيامة بينه و بينك، و يجعلك في
جواره، و يعطيك منزلا في قرب داره 1.
1-جامع السعادات /
العلامة النراقي.
|