آداب دخول مكة والطواف
ما ينبغى عند دخول مكة
ينبغى ان يتذكر عند دخول مكة: انه قد انتهى الى حرم من دخله كان آمنا، و ليرج عنده
ان يامن بدخوله من عقاب الله، و ليضطرب قلبه من الا يكون اهلا للقرب و القبول،
فيكون بدخول الحرم خائبا مستحقا للمقت، و ليكن رجاؤه في جميع الاوقات غالبا، اذ شرف
البيت عظيم، و رب البيت كريم، و الرحمة واسعة، و الفيوضات نازلة، و حق الزائر
منظور، و اللائذ المستجير غير مردود. و اذا وقع البصر على البيت، فليحضر في قلبه
عظمته، و يقدر كانه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه، و ليرج ان يرزقه لقاءه كما رزقه
لقاء بيته، و ليشكر الله على تبليغه اياه الى بيته، و الحاقه اياه بزمرة الوافدين
اليه، و يتذكر عند ذلك ايصاب الخلائق الى جهة الجنة آملين لدخولها كافة، ثم
انقسامهم الى ماذونين في الدخول و مصروفين عنها، انقسام الحاج الى مقبولين و
مردودين.
ما ينبغي عند الطواف واستلام الحجر
ما ينبغي عند الطواف
و ينبغى عند الطواف ان يمتلئ قلبه من التعظيم و المحبة و الخوف و الرجاء، و يعلم
انه في الطواف متشبه بالملائكة المقربين الطائفين حول العرش، و ليعلم ان المقصود
طواف قلبه بذكر رب البيت، دون مجرد طواف جسمه بالبيت، فليبتديء الذكر به و يختم
به، كما يبتدا الطواف من البيت و يختم بالبيت، فروح الطواف و حقيقته هو طواف القلب
بحضرة الربوبية و البيت مثال ظاهر في عالم الشهادة لتلك الحضرة التى لا تشاهد
بالبصر، و هو عالم الغيب و عالم الملك و الشهادة، مدرجة الى عالم الغيب و الملكوت
لمن فتح له الباب. و ما ورد من ان البيت المعمور في السماوات بازاء الكعبة، و ان
طواف الملائكة بها كطواف الانس بهذا البيت، و ربما كان اشارة الى ما ذكرناه من
المماثلة، و لما قصرت رتبة الاكثرين عن مثل ذلك الطواف، امروا بالتشبه بهم بقدر
الامكان، و وعدوا بان من تشبه بقوم فهو منهم.
ما ينبغي عند استلام الحجر
ينبغي ان يتذكر عند استلام الحجر الاسود، انه بمنزلة يمين الله في ارضه، و فيه
مواثيق العباد. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "استلموا الركن، فانه
يمين الله فى خلقه، يصافح بها خلقه مصافحة العبد او الدخيل، و يشهد لمن استلمه
بالموافاة"، و مراده صلى الله عليه واله وسلم بالركن: الحجر الاسود، لانه
موضوع فيه، و انما شبه باليمين، لانه واسطة بين الله و بين عباده في النيل و الوصول
و التحبب و الرضا، كاليمين حين التصافح. و قال الصادق عليه السلام : "ان الله
تبارك و تعالى لما اخذ مواثيق العباد، امر الحجر فالقمها، فلذلك يقال: امانتي
اديتها، و ميثاقي عاهدته، لتشهد لى بالموافاة". و قال عليه السلام : "الركن
اليماني باب من ابواب الجنة، لم يغلقه الله منذ فتحه". و قال عليه السلام : "الركن
اليماني بابنا الذي يدخل منه الجنة، و فيه نهر من الجنة تلقى فيه اعمال العباد"،
قيل: انما شبه بباب الجنة، لان استلامه وسيلة الى وصولها، و بالنهر، لانه تغسل به
الذنوب.
ثم لتكن النية في الاستلام و الالتصاق بالمستجار، بل الممارسة لكل جزء من البيت،
طلب القرب حبا و شوقا للبيت و لرب البيت، و تمسكا و تبركا بالممارسة، و رجاء للتحصن
عن النار في كل جزء لا في البيت، و لتكن نيته في التعلق باستار البيت الالحاح في
طلب المغفرة و سؤال الامان، كالمقصر المتعلق بثياب من قصر في حقه، المتضرع اليه في
عفوه عنه، المظهر له انه لا ملجا منه الا اليه، و لا مفزع الا عفوه و كرمه، و انه
لا يفارق ذيله حتى يعفو عنه، و يعطيه الامان في المستقبل1.
1-جامع السعادات /
العلامة النراقي.
|