رجوع الى القائمة

الحجّ في القرآن

 

الَّذِينَ آمَنُواْ ... أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ

﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ .

القراءة:

في الشواذ قراءة محمد بن علي الباقر عليهما السلام وابن الزبير وأبي وجرة السواري وأبي جعفر السعدي القارىء أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام وقرأ الضحاك سقاية الحاج بالضم وعمرة المسجد.

الحجة:

أما سقاة فهو جمع ساق وعمرة جمع عامر وأما ﴿سِقَايَةَ فقد قال ابن جني فيه نظر ووجهه أن يكون جمعا جاء على فعال كعرق وعراق ورخل ورخال وظئر وظؤار وتوم وتوأم وبريء وبراء وإنسان وإناس ثم أنث كما يؤنث من المجموع أشياء نحو حجارة وعيورة وكان من عدل عن قراءة الجماعة ﴿سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِد إلى هذا إنما هرب من أن يقابل الحدث بالجواهر وذلك أن من آمن جوهر وسقاية وعمارة مصدران فلا بد إذن من حذف المضاف أي أ جعلتم هذين الفعلين كفعل من آمن بالله فلما رأى أنه لا بد من حذف المضاف قرأ سقاة وعمرة على ما مضى.

اللغة:

السقاية آلة تتخذ لسقي الماء والسقاية مصدر كالسقي أيضا وقيل إنهم كانوا يسقون الحجيج الماء والشراب وبيت البئر سقاية أيضا والبشارة الدلالة على ما يظهر به السرور في بشرة الوجه كما يقال بشرته أبشره بشرى ورضوان هو معنى يستحق بالإحسان ويدعو إلى الحمد على ما كان ويضاد سخط العصيان والنعيم مشتق من النعمة وهي اللين فأما النعمة بكسر النون فهي منفعة يستحق بها الشكر لأنها كنعمة العيش وأبدا للزمان المستقبل من غير آخر كما أن قط للماضي يقال ما رأيته قط ولا أراه أبدا وجمع الأبد آباد وأبود يقال لا أفعل ذلك أبد الأبيد وأبد الآبدين وتأبد المنزل أتى عليه والأوابد الوحش سميت بذلك لطول أعمارها وقيل لم يمت وحشي حتف أنفه وإنما يموت ب آفة والآبدة الداهية.

النزول:

قيل أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام والعباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة أنا صاحب البيت وبيدي مفتاحه ولو أشاء بت فيه وقال العباس أنا صاحب السقاية والقائم عليها وقال علي عليه السلام ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد عن الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وقيل أن عليا عليه السلام قال للعباس يا عم ألا تهاجر وألا تلحق برسول الله فقال ألست في أفضل من الهجرة أعمر المسجد الحرام وأسقي حاج بيت الله فنزلت ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ  عن ابن سيرين ومرة الهمداني وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن بريدة عن أبيه قال بينا شيبة والعباس يتفاخران إذا مر بهما علي بن أبي طالب عليه السلام فقال بما ذا تتفاخران فقال العباس لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد سقاية الحاج وقال شيبة أوتيت عمارة المسجد الحرام فقال علي عليه السلام استحييت لكما فقد أوتيت على صغري ما لم تؤتيا فقالا وما أوتيت يا علي قال ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما بالله ورسوله فقام العباس مغضبا يجر ذيله حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقال أما ترى إلى ما يستقبلني به علي فقال ادعوا لي عليا فدعي له فقال ما حملك على ما استقبلت به عمك فقال يا رسول الله صدمته بالحق فمن شاء فليغضب ومن شاء فليرض فنزل جبرائيل عليه السلام فقال يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول اتل عليهم ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ الآيات فقال العباس إنا قد رضينا ثلاث مرات وفي تفسير أبي حمزة أن العباس لما أسر يوم بدر أقبل عليه أناس من المهاجرين والأنصار فعيروه بالكفر وقطيعة الرحم فقال ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا قالوا وهل لكم من محاسن قال نعم والله لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني فأنزل الله تعالى ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ إلى آخر الآيات.

المعنى:

﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ هذا استفهام معناه الإنكار أي لا تجعلوا وفيه حذف يدل الكلام عليه وتقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله حتى يكون مقابلة الشخص بالشخص أو يكون تقديره أجعلتم السقاية والعمارة كإيمان من آمن بالله حتى تكون مقابلة الفعل بالفعل وسقاية الحاج سقيهم الشراب قال الحسن وكان نبيذ زبيب يسقون الحاج في الموسم بين الله سبحانه أنه لا يقابل هذه الأشياء بالإيمان بالله ﴿وَالْيَوْمِ الآخِرِ وبالجهاد في سبيله فإنه لا مساواة بين الأمرين ﴿لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ في الفضل والثواب ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي إلى طريق ثوابه  ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  كما يهدي إليه من كان عارفا به فاعلا لطاعته مجتنبا لمعصيته ثم ابتدأ سبحانه فقال ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ أي صدقوا واعترفوا بوحدانية الله ﴿وَهَاجَرُواْ أوطانهم التي هي دار الكفر إلى دار الإسلام ﴿وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أي تحملوا المشاق في ملاقاة أعداء الدين ﴿بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً من غيرهم من المؤمنين الذين لم يفعلوا هذه الأشياء ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ أي الظافرون بالبغية ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم برحمة في الدنيا على ألسنة الرسل وبما بين في كتبه من الثواب الموعود على الجهاد ﴿بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ في الآخرة ﴿وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ أي دائم لا يزول ولا ينقطع ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا أي دائمين فيها مع كون النعيم مقيما لهم ﴿إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ أي جزاء على العمل ﴿عَظِيمٌ أي كثير متضاعف لا يبلغه نعمة غيره من الخلق1.


1- مجمع البيان في تفسير القرآن/ العلامة الطبرسي قدة.