الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ
﴿الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ
وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ
وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي
الأَلْبَابِ﴾.
اللغة:
الرفث أصله في اللغة الإفحاش في النطق قال العجاج عن اللغا ورفث التكلم وقيل الرفث
بالفرج الجماع وباللسان المواعدة للجماع وبالعين الغمز للجماع والفسوق الخروج من
الطاعة.
والجدال في اللغة والمجادلة والمنازعة والمشاجرة والمخاصمة نظائر وجدلت الحبل فتلته
والجديل زمام البعير فعيل بمعنى مفعول والمجدل القصر والجدالة الأرض ذات العمل
الرقيق وغلام جادل إذا ترعرع واشتد والزاد الطعام الذي يتخذ للسفر والمزود وعاء
يجعل فيه الزاد وكل من انتقل بخير من عمل أو كسب فقد تزود منه تزودا واللب العقل
سمي بذلك لأنه أفضل ما في الإنسان وأفضل كل شيء لبا.
المعنى:
﴿الْحَجُّ﴾
أي أشهر الحج...
﴿أَشْهُرٌ
مَّعْلُومَاتٌ﴾
أي أشهر مؤقتة معينة لا يجوز فيها التبديل والتغيير بالتقديم والتأخير اللذين كان
يفعلهما النساة الذين أنزل فيهم إنما النسيء زيادة في الكفر الآية وأشهر الحج عندنا
شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة على ما روي عن أبي جعفر وبه قال ابن عباس ومجاهد
والحسن وغيرهم وقيل هي شوال وذو القعدة وذو الحجة عن عطاء والربيع وطاووس وروي ذلك
في أخبارنا وإنما صارت هذه أشهر الحج لأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها بلا خلاف
وعندنا لا يصح أيضا الإحرام بالعمرة التي يتمتع بها إلى الحج إلا فيها ومن قال أن
جميع ذي الحجة من أشهر الحج قال لأنه يصح أن يقع فيها بعض أفعال الحج مثل صوم
الأيام الثلاثة وذبح الهدي ومتى قيل كيف سمي الشهران وبعض الثالث أشهرا فجوابه أن
الاثنين قد يقع عليه لفظ الجمع كما في قوله ظهراهما مثل ظهور الترسين وأيضا فقد
يضاف الفعل إلى الوقت وإن وقع في بعضه ويضاف الوقت إليه كذلك تقول صليت صلاة يوم
الجمعة وصلاة يوم العيد وإن كانت الصلاة في بعضه وقدم زيد يوم كذا وإن كان قدم في
بعضه فكذلك جاز أن يقال في شهر الحج ذو الحجة وإن وقع الحج في بعضه...
﴿فَمَن
فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾
معناه فمن أوجب على نفسه فيهن الحج أي فمن أحرم فيهن بالحج بلا خلاف أو بالعمرة
التي يتمتع بها إلى الحج على مذهبنا...
﴿فَلاَ
رَفَثَ﴾
كني بالرفث عن الجماع هاهنا عند أصحابنا وهو قول ابن مسعود وقتادة وقيل هو مواعدة
الجماع والتعريض للنساء به عن ابن عباس وابن عمر وعطا وقيل هو الجماع والتعريض له
بمداعبة أو مواعدة عن الحسن...
﴿وَلاَ
فُسُوقَ﴾
وروى أصحابنا أنه الكذب وقيل هو معاصي الله كلها عن ابن عباس والحسن وقتادة وهذا
أعم ويدخل فيه الكذب وقيل هو التنابز بالألقاب لقوله ﴿بِئْسَ
الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾
عن الضحاك وقيل هو السباب لقوله (سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر) عن إبراهيم ومجاهد
وقال بعضهم لا يجوز أن يراد به هنا إلا ما نهي المحرم عنه مما يكون حلالا له إذا
أحل لاختصاصه بالنهي عنه وهذا تخصص للعموم بلا دليل وقد يقول القائل ينبغي لك أن
تقيد لسانك في رمضان لئلا يفسد صومك وقد جاء في الحديث إذا صمت فليصم سمعك وبصرك
ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك فإنما خصه بذلك لعظم حرمته...
﴿وَلاَ
جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾
روى أصحابنا أنه قول لا والله وبلى والله صادقا أو كاذبا وللمفسرين فيه قولان
(أحدهما) أنه المراء والسباب والإغضاب على جهة المحك واللجاج عن ابن عباس وابن
مسعود والحسن (والثاني) أن معناه لا جدال في أن الحج قد استدار في ذي الحجة لأنهم
كانوا ينسئون الشهور فيقدمون ويؤخرون فربما اتفق في غيره عن مجاهد والسدي...
﴿وَمَا
تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ﴾
معناه ما تفعلوا من خير يجازكم الله العالم به لأن الله عالم بجميع المعلومات على
كل حال إلا أنه جعل يعلمه في موضع يجازه للمبالغة في صفة العدل أي أنه يعاملكم
معاملة من يعلمه إذا ظهر منكم فيجازي به وذلك تأكيد أن الجزاء لا يكون إلا بالفعل
دون ما يعلم أنه يكون منهم قبل أن يفعلوه...
﴿وَتَزَوَّدُواْ
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾
قيل فيه قولان (أحدهما) أن معناه أن قوما كانوا يرمون بإزوادهم ويتسمون بالمتوكلة
فقيل لهم تزودوا من الطعام ولا تلقوا كلكم على الناس وخير الزاد مع ذلك التقوى عن
الحسن وقتادة ومجاهد (والثاني) أن معناه تزودوا من الأعمال الصالحة...
﴿فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾
وذكر ذلك في أثناء أفعال الحج لأنه أحق شيء بالاستكثار من أعمال البر فيه ﴿وَاتَّقُونِ﴾
فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ﴿يَا
أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾
يا ذوي العقول1.
1-تفسير مجمع البيان
/ الطبرسيي قدة.
|