ما يَنبَغي بَعدَ المَناسِك
أ - وَداعُ البَيت
أبو إسماعيل: قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام: هُوَذا أخرُجُ - جُعِلتُ
فِداكَ - فَمِن أينَ اُوَدّعُ البَيتَ؟ قالَ: تَأتِي المُستَجارَ بَينَ الحَجَرِ
والبابِ، فَتُوَدّعُهُ مِن ثَمّ، ثُمّ تَخرُجُ فَتَشرَبُ مِن زَمزَمَ، ثُمّ تَمضي،
فَقُلتُ: أصُبّ عَلى رَأسي؟ فَقالَ: لا تَقرَبِ الصّبّ.
قُثَمُ بنُ كَعب: قالَ أبو عَبدِاللّهِ عليه السلام: إنّكَ لَتُدمِنُ الحَجّ؟
قُلتُ: أجَل، قالَ: فَليَكُن آخِرُ عَهدِكَ بِالبَيتِ أن تَضَعَ يَدَكَ عَلَى
البابِ وتَقولَ:
"المِسكينُ عَلى بابِكَ، فَتَصَدّق عَلَيهِ بِالجَنّةِ".
مُعاوِيَةُ بنُ عَمّارٍ عَن أبي عَبدِاللّهِ عليه السلام: إذا أرَدتَ أن تَخرُجَ
مِن مَكّةَ وتَأتِيَ أهلَكَ فَوَدّعِ البَيتَ وطُف بِالبَيتِ اُسبوعًا، وإنِ
استَطَعتَ أن تَستَلِمَ الحَجَرَ الأَسوَدَ والرّكنَ اليَمانِيّ في كُلّ شَوطٍ
فَافعَل، وإلّا فَافتَتِح بِهِ واختِم بِهِ، فَإِن لَم تَستَطِع ذلِكَ فَمُوَسّعٌ
عَلَيكَ.
ثُمّ تَأتِي المُستَجارَ فَتَصنَعُ عِندَهُ كَما صَنَعتَ يَومَ قَدِمتَ مَكّةَ،
وتَخَيّر لِنَفسِكَ مِنَ الدّعاءِ.
ثُمّ استَلِمِ الحَجَرَ الأَسوَدَ.
ثُمّ ألصِق بَطنَكَ بِالبَيتِ، تَضَعُ يَدَكَ عَلَى الحَجَرِ والاُخرى مِمّا يَلِي
البابَ واحمَدِ اللّهَ وأثنِ عَلَيهِ وصَلّ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وآله
وسلم.
ثُمّ قُل:اللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ ونَبِيّكَ وأمينِكَ
وحَبيبِكَ ونَجِيّكَ وخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ، اللّهُمّ كَما بَلّغَ رِسالاتِكَ،
وجاهَدَ في سَبيلِكَ، وصَدَعَ بِأَمرِكَ وأُوذِيَ في جَنبِكَ، وعَبَدَكَ حَتّى
أتاهُ اليَقينُ. اللّهُمّ اقلِبني مُفلِحًا، مُنجِحًا، مُستَجابًا لي بِأَفضَلِ ما
يَرجِعُ بِهِ أحَدٌ مِن وَفدِكَ مِنَ المَغفِرَةِ والبَرَكَةِ والرّضوانِ
والعافِيَةِ، اللّهُمّ إن أمَتّني فَاغفِر لي، وإن أحيَيتَني فَارزُقنيهِ مِن
قابِلٍ، اللّهُمّ لا تَجعَلهُ آخِرَ العَهدِ مِن بَيتِكَ، اللّهُمّ إنّي عَبدُكَ
وابنُ عَبدِكَ وابنُ أمَتِكَ، حَمَلتَني عَلى دَوابّكَ وسَيّرتَني في بِلادِكَ،
حَتّى أقدَمتَني حَرَمَكَ وأمنَكَ، وقَد كانَ في حُسنِ ظَنّي بِكَ أن تَغفِرَ لي
ذُنوبي، فَإِن كُنتَ قَد غَفَرتَ لي ذُنوبي فَازدَد عَنّي رِضًا وقَرّبني إلَيكَ
زُلفَى ولا تُباعِدني، وإن كُنتَ لَم تَغفِر لي فَمِنَ الآنَ فَاغفِر لي قَبلَ أن
تَنأى عَن بَيتِكَ داري، فَهذا أوانُ انصِرافي إن كُنتَ أذِنتَ لي غَيرَ راغِبٍ
عَنكَ ولا عَن بَيتِكَ ولا مُستَبدِلٍ بِكَ ولا بِهِ. اللّهُمّ احفَظني مِن بَينِ
يَدَيّ ومِن خَلفي وعَن يَميني وعَن شِمالي حَتّى تُبَلّغَني أهلي، فَإِذا
بَلّغتَني أهلي فَاكفِني مَؤونَةَ عِبادِكَ وعِيالي، فَإِنّكَ وَلِيّ ذلِكَ مِن
خَلقِكَ ومِنّي".
ثُمّ ائتِ زَمزَمَ فَاشرَب مِن مائِها.
ثُمّ اخرُج وقُل:"آئِبونَ تائِبونَ عابِدونَ لِرَبّنا حامِدونَ، إلى رَبّنا
راغِبونَ، إلَى اللّهِ راجِعونَ إن شاءَ اللّهُ".
وإنّ أبا عَبد ِاللّهِ عليه السلام لَمّا وَدّعَها وأرادَ أن يَخرُجَ مِنَ المَسجِدِ
الحَرامِ خَرّ ساجِدًا عِندَ بابِ المَسجِدِ طَويلاً، ثُمّ قامَ فَخَرَجَ.
إبراهيمُ بنُ أبي مَحمود: رَأَيتُ أبَاالحَسَنِ عليه السلام وَدّعَ البَيتَ،
فَلَمّا أرادَ أن يَخرُجَ مِن بابِ المَسجِدِ خَرّ ساجِدًا، ثُمّ قامَ فَاستَقبَلَ
الكَعبَةَ فَقالَ:
"اللّهُمّ إنّي أنقَلِبُ عَلى أن لا إلهَ إلّا أنتَ".
عَلِيّ بنُ مَهزِيار:
رَأَيتُ أبا جَعفَرٍ الثّانيَ عليه السلام في سَنَةِ خَمسٍ وعِشرينَ ومِائَتَينِ
وَدّعَ البَيتَ، بَعدَ ارتِفاعِ الشّمسِ، وطافَ بِالبَيتِ يَستَلِمُ الرّكنَ
اليَمانِيّ في كُلّ شَوطٍ، فَلَمّا كانَ الشّوطُ السّابِعُ استَلَمَهُ واستَلَمَ
الحَجَرَ ومَسَحَ بِيَدِهِ، ثُمّ مَسَحَ وَجهَهُ بِيَدِهِ، ثُمّ أتَى المَقامَ
فَصَلّى خَلفَهُ رَكعَتَينِ، ثُمّ خَرَجَ إلى دُبُرِ الكَعبَةِ إلَى المُلتَزَمِ،
فَالتَزَمَ البَيتَ وكَشَفَ الثّوبَ عَن بَطنِهِ، ثُمّ وَقَفَ عَلَيهِ طَويلاً
يَدعو. ثُمّ خَرَجَ مِن بابِ الحَنّاطينَ وتَوَجّهَ.
فَرَأَيتُهُ في سَنَةِ سَبعَ عَشرَةَ ومِائَتَينِ وَدّعَ البَيتَ لَيلاً يَستَلِمُ
الرّكنَ اليَمانِيّ والحَجَرَ الأَسوَدَ في كُلّ شَوطٍ، فَلَمّا كانَ فِي الشّوطِ
السّابِعِ التَزَمَ البَيتَ في دُبُرِ الكَعبَةِ قَريبًا مِنَ الرّكنِ اليَمانِيّ
وفَوقَ الحَجَرِ المُستَطيلِ، وكَشَفَ الثّوبَ عَن بَطنِهِ، ثُمّ أتى فَقَبّلَهُ
ومَسَحَهُ، وخَرَجَ إلَى المَقامِ فَصَلّى خَلفَهُ، ثُمّ مَضى ولَم يَعُد إلَى
البَيتِ. وكانَ وُقوفُهُ عَلَى المُلتَزَمِ بِقَدرِ ما طافَ بَعضُ أصحابِنا سَبعَةَ
أشواطٍ وبَعضُهُم ثَمانِيَةً.
ب - الخَتمُ بِالمَدينَة
أحمَدُ بنُ أبي عَبدِاللّهِ، عَن أبيهِ: سَأَلتُ أباجَعفَرٍ عليه السلام: أبدَأُ
بِالمَدينَةِ أو بِمَكّةَ؟ قالَ: اِبدَأ بِمَكّةَ واختِم بِالمَدينَةِ، فَإِنّهُ
أفضَلُ.
الإمام الباقر عليه السلام: اِبدَأوا بِمَكّةَ واختِموا بِنا.
ج - التّعجيلُ فِي الرّجوع
رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا قَضى أحَدُكُم حَجّهُ فَليُعَجّلِ
الرّحلَةَ إلى أهلِهِ، فَإِنّهُ أعظَمُ لِأَجرِهِ.
عنه صلى الله عليه وآله وسلم - حَولَ سُكنى مَكّةَ -: ثَلاثٌ لِلمُهاجِرِ بَعدَ
الصّدَرِ.
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: يُقيمُ المُهاجِرُ بِمَكّةَ بَعدَ قَضاءِ نُسُكِهِ
ثَلاثًا.
الإمام الصادق عليه السلام: إذا فَرَغتَ مِن نُسُكِكَ فَارجِع، فَإِنّهُ أشوَقُ
لَكَ إلَى الرّجوعِ.
د - التّصَدّق
الإمام الصادق عليه السلام: يَنبَغي لِلحاجّ، إذا قَضى نُسُكَهُ وأرادَ أن يَخرُجَ،
أن يَبتاعَ بِدِرهَمٍ تَمرًا يَتَصَدّقُ بِهِ، فَيَكونُ كَفّارَةً لِما لَعَلّهُ
دَخَلَ عَلَيهِ في حَجّهِ مِن حَكّ أو قُمّلَةٍ سَقَطَت أو نَحوِ ذلِكَ.
عنه عليه السلام: إذا دَخَلتَ مَكّةَ فَاشتَرِ بِدِرهَمٍ تَمرًا فَتَصَدّق بِهِ
لِما كانَ مِنكَ في إحرامِكَ لِلعُمرَةِ، فَإِذا فَرَغتَ مِن حَجّكَ فَاشتَرِ
بِدِرهَمٍ تَمرًا فَتَصَدّق بِهِ، فَإِذا دَخَلتَ المَدينَةَ فَاصنَع مِثلَ ذلِكَ.
عنه عليه السلام: يُستَحَبّ لِلرّجُلِ والمَرأَةِ أن لا يَخرُجا مِن مَكّةَ حَتّى
يَشتَرِيا بِدِرهَمٍ تَمرًا فَيَتَصَدّقا بِهِ لِما كانَ مِنهُما في إحرامِهِما
ولِما كانَ في حَرَمِ اللّهِ عَزّوجَلّ.
ه - شِراءُ الهَدِيّة
الإمام الصادق عليه السلام: هَدِيّةُ الحَجّ مِنَ الحَجّ.
عنه عليه السلام: الهَدِيّةُ مِن نَفَقَةِ الحَجّ.
مايَنبَغي بَعدَ الرّجوعِ مِنَ الحَج
أ - تَركُ الذّنوب
رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: آيَةُ قَبولِ الحَجّ تَركُ ما كانَ عَلَيهِ
العَبدُ مُقيمًا مِنَ الذّنوبِ .
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: مِن عَلامَةِ قَبولِ الحَجّ إذا رَجَعَ الرّجُلُ
عَمّا كانَ عَلَيهِ مِنَ المَعاصي، هذا عَلامَةُ قَبولِ الحَجّ. وإن رَجَعَ مِنَ
الحَجّ ثُمّ انهَمَكَ فيما كانَ مِن زِناءٍ أو خِيانَةٍ أو مَعصِيَةٍ فَقَد رُدّ
عَلَيهِ حَجّهُ.
ب - زِيارَةُ الحاج
رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا لَقيتَ الحاجّ فَسَلّم عَلَيهِ وصافِحهُ
ومُرهُ أن يَستَغفِرَ لَكَ قَبلَ أن يَدخُلَ بَيتَهُ، فَإِنّهُ مَغفورٌ لَهُ.
الإمام عليّ عليه السلام: إذا قَدِمَ أخوكَ مِن مَكّةَ فَقَبّل بَينَ عَينَيهِ،
وفاهُ الّذي قَبّلَ بِهِ الحَجَرَ الأَسوَدَ الّذي قَبّلَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله
عليه وآله وسلم، والعَينَ الّتي نَظَرَ بِها إلى بَيتِ اللّهِ عَزّوجَلّ، وقَبّل
مَوضِعَ سُجودِهِ ووَجهَهُ. وإذا هَنّأتُموهُ فَقولوا لَهُ: قَبِلَ اللّهُ
نُسُكَكَ، ورَحِمَ سَعيَكَ، وأخلَفَ عَلَيكَ نَفَقَتَكَ، ولا جَعَلَهُ آخِرَ
عَهدِكَ بِبَيتِهِ الحَرامِ.
عَبدُالوَهّابِ بنُ الصّباحِ عَن أبيهِ: لَقِيَ مُسلِمٌ مَولى أبي عَبدِاللّهِ عليه
السلام صَدَقَةَ الأَحدَبَ وقَد قَدِمَ مِن مَكّةَ فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ: الحَمدُ
للّهِ ِ الّذي يَسّرَ سَبيلَكَ وهَدى دَليلَكَ وأقدَمَكَ بِحالِ عافِيَةٍ وقَد
قَضَى الحَجّ وأعانَ عَلَى السّعَةِ، فَقَبِلَ اللّهُ مِنكَ وأخلَفَ عَلَيكَ
نَفَقَتَكَ وجَعَلَها حَجّةً مَبرورَةً ولِذُنوبِكَ طَهورًا، فَبَلَغَ ذلِكَ أبا
عَبدِاللّهِ عليه السلام فَقالَ لَهُ: كَيفَ قُلتَ لِصَدَقَةَ؟ فَأَعادَ عَلَيهِ،
فَقالَ: مَن عَلّمَكَ هذا؟ فَقالَ: جُعِلتُ فِداكَ، مَولايَ أبُوالحَسَنِ عليه
السلام، فَقالَ لَهُ: نِعمَ ما تَعَلّمتَ، إذا لَقيتَ أخًا مِن إخوانِكَ فَقُل لَهُ
هكَذا، فَإِنّ الهُدى بِنا هُدًى، وإذا لَقيتَ هؤُلاءِ فَقُل لَهُم ما يَقولونَ.
الإمام زين العابدين عليه السلام: بادِروا بِالسّلامِ عَلَى الحاجّ والمُعتَمِرِ
ومُصافَحَتِهِم، مِن قَبلِ أن تُخالِطَهُمُ الذّنوبُ.
عنه عليه السلام: يا مَعشَرَ مَن لَم يَحُجّ، استَبشِروا بِالحاجّ وصافِحوهُم
وعَظّموهُم، فَإِنّ ذلِكَ يَجِبُ عَلَيكُم، تُشارِكوهُم فِي الأَجرِ.
الإمام الباقر عليه السلام: وَقّرُوا الحاجّ والمُعتَمِرينَ، فَإِنّ ذلِكَ واجِبٌ
عَلَيكُم
الإمام الصادق عليه السلام: مَن لَقِيَ حاجّا فَصافَحَهُ كانَ كَمَنِ استَلَمَ
الحَجَرَ.
عنه عليه السلام: مَن عانَقَ حاجّا بِغُبارِهِ كانَ كَأَنّمَا استَلَمَ الحَجَرَ
الأَسوَدَ1.
1- الحج والعمرة في
الكتاب والسنة/ العلامة محمد الريشهري.
|