رجوع الى القائمة اضاءات نورانية  

بحث تاريخي

توسيع المسجد الحرام

منذ العهد النبوي أخذ عدد المسلمين في الإزدياد، وعلى أثر ذلك كان يتزايد عدد الحجاج والوافدين إلى البيت الحرام، ولهذا كان المسجد الحرام يتعرض للتوسعة المستمرة على أيدي الخلفاء في العصور المختلفة، فقد جاء في تفسير العيّاشي أن أبا جعفر (المنصور) طلب أن يشتري من أهل مكة بيوتهم ليزيدها في المسجد، فأبوا فأرغبهم، فامتنعوا فضاق بذلك، فأتى أبا عبدالله (الصادق) عليه السلام فقال له : إني سألت هؤلاء شيئاً من منازلهم، وأفنيتهم لنزيد في المسجد، وقد منعوني ذلك فقد غمني غماً شديداً، فقال أبو عبدالله عليه السلام : أيغمك ذلك وحجتك عليهم فيه ظاهرة ؟ فقال : وبما أحتج عليهم ؟ فقال : بكتاب الله، فقال : في أي موضع ؟ فقال : قول الله عزّوجلّ : (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) قد أخبرك الله أن أول بيت وضع للناس هو الذي ببكة، فإن كانوا هم تولوا قبل البيت فلهم أفنيتهم، وإن كان البيت قبلهم فله فناؤه، فدعاهم أبو جعفر (المنصور) فاحتج عليهم بهذا فقالوا له أصنع ما أحببت.

وقد جاء في ذلك التفسير أيضاً أن المهدي (العباسي) لما بنى في المسجد الحرام بقيت دار احتج إليها في تربيع المسجد، فطلبها من أربابها فامتنعوا فسأل عن ذلك الفقهاء فكلّ قال له : إنه لا ينبغي أن يدخل شيئاً في المسجد الحرام غصباً، فقال له علي بن يقطين : يا أميرالمؤمنين لو أنك كتبت إلى موسى بن جعفر عليه السلام لأخبرك بوجه الأمر في ذلك، فكتب إلى والي المدينة أن يسئل موسى بن جعفر عليه السلام عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها فكيف المخرج من ذلك ؟ فقال : ذلك لأبي الحسن عليه السلام : فقال أبو الحسن عليه السلام: ولابدّ من الجواب في هذا ؟ فقال له : الأمر لابدّ منه، فقال له : اكتب "بسم الله الرحمن الرحيم إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى بفنائها، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها" فلما أتى الكتاب إلى المهدي أخذ الكتاب فقبله (لفرحه الشديد)، ثمّ أمر بهدم الدار فأتى أهل الدار أبا الحسن عليه السلام فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتاباً في ثمن دورهم فكتب إليه أن ارضخ لهم شيئاً فارضاهم.

إن في هاتين الروايتين استدلالاً لطيفاً يتفق تماماً مع المقاييس والموازين القانونية المعمول بها أيضاً، فإن الإستدلال يقول ; ان لمعبد تقصده الجماهير كالكعبة، قد بني يوم بني على أرض لا أحد فيها، الحق والأولوية في تلك الأرض بقدر حاجته وحيث إن الحاجة يوم اُسس لم تكن تدعو إلى أكثر من تلك المساحة التي أقيم عليها أول مرّة كان للناس أن يسكنوا في حريم الكعبة، أما الآن وقد اشتدت الحاجة إلى مساحة أوسع كما كانت عليه لتسع الحجيج، فإن للكعبة الحقّ في أن تستخدم أولويتها بالأرض1.


1- تفسير الأمثل / العلامة اية الله الشبخ مكارم الشيرازي.