رجوع الى القائمة حجّ الأنبياء والائمة  

بعض من فاز بلقاء الحجة عليه السلام

روى عبد الله بن علي بن المطلبي قال: حدّثني أبو الحسن محمد بن علي السمري قال: حدّثني أبو الحسن المحمودي قال: حدّثني أبو عليّ محمد بن أحمد المحمودي قال: حججت نيّفاً وعشرين سنة، وكنت في جميعها أتعلّق بأستار الكعبة، وأقف على الحطيم والحجر الأسود ومقام إبراهيم، وأُديم الدّعاء في هذه المواضع، وأقف بالموقف وأجعل جلّ دعائي: أنْ يريني مولاي صاحب الزمان عليه السلام، فانّني في بعض السنين قد وقفت بمكّة على أن ابتاع حاجة ومعي غلام في يده مشربة حلج ملمّعة، فدفعت إلى الغلام الثمن وأخذت المشربة من يده، وتشاغل الغلام بمماكسة البيع وأنا واقف أترقّب، إذ جذب ردائي جاذب فحّولت وجهي إليه فرأيت رجلا أذعرت حين نظرت إليه هيبة له فقال لي: تبيع المشربة؟

فلم استطع ردّ الجواب، وغاب عن عيني، فلم يلحقه بصري فظننته مولاي، فانّني يوم من الأيام أصلّي بباب الصّفا بمكّة فسجدت وجعلت مرفقي في صدري، فحرّكني محرّك برجله فرفعت رأسي فقال لي: إفتح منكبك عن صدرك ففتحت عيني فاذاً الرجل الّذي سألني عن المشربة، ولحقني من هيبته ما حار بصري فغاب عن عيني وأقمت عن رجائي ويقيني.

ومضت مدّة وأنا أحجّ وأديم الدعاء في الموقف، فانّني في آخر سنة جالس في ظهر الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار ومحمد بن القاسم العلوي وعلاف الكناني ونحن نتحدّث، إذا أنا برجل في الطواف فأشرت بالنظر إليه وقمت أسعى لأتّبعه، فطاف حتى إذا بلغ إلى الحجر، رأى سائلا واقفاً على الحجر ويستخلف ويسأل الناس بالله عزَّ وجلَّ أن يتصدّق عليه، فإذا برجل قد طلع، فلمّا نظر إلى السائل إنكبّ إلى الأرض وأخذ منها شيئاً ودفعه إلى السائل وجاز، فعدلت إلى السائل فسألته عمّا وهب له فأبى أنْ يعلمني، فوهبت له ديناراً وقلت: أرني ما في يدك ففتح يده فقدّرت أنّ فيها عشرين ديناراً، فوقع في قلبي اليقين أنّه مولاي عليه السلام، رجعت إلى مجلسي الّذي كنت فيه وعيني ممدودة إلى الطواف، حتى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا، فلحقنا له رهبة شديدة وحارت أبصارنا جميعاً قمنا إليه فجلس.

فقلنا له: ممّن الرجل؟ فقال: من العرب؟ فقلت: من أيّ العرب؟ فقال: من بني هاشم فقلنا: من أيّ بني هاشم؟ فقال: ليس يخفى عليكم إن شاء الله تعالى، ثمّ التفت إلى محمد بن القاسم فقال: يا محمد أنت على خير إن شاء الله، أتدرون ما كان يقول زين العابدين عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟ قلنا: لا قال كان يقول: يَا كَرِيمُ مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ يَا كَرِيمُ فَقِيرُكَ زَائِرُكَ حَقِيرُكَ بِبَابِكَ يَا كَرِيمُ.

حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو القاسم عليّ بن أحمد الخديجيُّ الكوفي قال: حدّثنا الأزدي قال:

بينما أنا في الطواف قد طفت ستّاً وأنا أُريد أن أطوف السّابع فاذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشابٌ حسن الوجه، طيّب الرّائحة، هيوب مع هيبته، متقرّب إلى النّاس، يتكلّم فلم أر أحسن من كلامه ولا أعذب من نطقه، وحسن جلوسه، فذهبت أكلمّه فزبرني الناس فسألت بعضهم من هذا؟ فقالوا: هذا ابن رسول الله يظهر في كلّ سنة يوماً لخواصّه يحدّثهم. إلى أن قال: فقال عليه السلام: أتعرفني؟ فقلت: لا فقال عليه السلام: أنا المهدي (و) أنا قائم الزّمان، أنا الّذي أملأها عدلا كما ملئت جوراً، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة ولا يبقى النّاس في فترة وهذه أمانة لا تحدّث بها الاّ اخوانك من أهل الحقّ.

إنّ أبا محمد الدعلجي كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن كان يغسّل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، ودفع إلى أبي محمد حجّة يحجّ بها عن صاحب الزمان عليه السلام، وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذ.

فدفع شيئاً منها إلى إبنه المذكور بالفساد، وخرج إلى الحجّ.

فلمّا عاد حكى أنّه كان واقفاً بالموقف، فرأى إلى جانبه شابّاً حسن الوجه، أسمر اللون، بذؤابتين، مقبلا على شأنه في الدعاء والإبتهال والتضرّع، وحسن العمل، فلمّا قرب نفر الناس التفت إليّ وقال: يا شيخ ما تستحي؟! قلت: من أيّ شيء يا سيّدي؟!

قال: يدفع اليك حجّة عمّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، يوشك أن تذهب عينك هذه.
وأومأ إلى عيني، وأنا من ذلك إلى الآن على وجل ومخافة.

وسمع أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك، قال: فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتّى خرج في عينه الّتي أومأ إليها قرحة، فذهبت.

حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد الكوفي المعروف بأبي القاسم الخديجي قال: حدّثنا سليمان بن إبراهيم الرّقي قال: حدّثنا أبو محمد الحسن بن وجناء النّصيبيّ قال: كنت ساجداً تحت الميزات في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العتمة، وأنا أتضرّع في الدّعاء إذ حرّكني محرّك فقال: قم يا حسن بن وجناء، قال: فقمت فاذا جارية صفراء نحيفة البدن تقول: إنّها من أبناء أربعين فما فوقها، فمشت بين يديّ وأنا لا أسألها عن شيء حتّى أتت بي إلى دار خديجة عليه السلام وفيها بيت بابه في وسط الحائط وله درج ساج يرتقي، فصعدت الجارية وجاءني النداء: اصعد يا حسن، فصعدت فوقفت بالباب، فقال لي صاحب الزّمان عليه السلام: يا حسن أتراك خفيت عليّ والله ما من وقف في حجّك إلاّ وأنا معك فيه، ثمّ جعل يعدّ عليّ أوقاتي، فوقعت مغشيّاً على وجهي، فحسست بيد قد وقعت عليَّ فقمت، فقال لي: يا حسن الزم دار جعفر بن محمد عليه السلام، ولا يهمنّك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك، ثمّ دفع إليّ دفتراً فيه دعاء الفرج وصلاة عليه فقال: بهذا فادع، وهكذا صلّ عليّ، ولا تعطه الاّ محقّي أوليائي فانّ الله جلّ جلاله موفّقك فقلت: يا مولاي لا أراك بعدها؟ فقال: يا حسن إذا شاء الله.

قال: فانصرفت من حجّتي ولزمت دار جعفر بن محمد عليه السلام فأنا أخرج منها فلا أعود إليها الاّ لثلاث خصال: لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الإفطار، وأدخل بيتي وقت الإفطار فأصيبُ رباعيّاً مملوءاً ماءاً، ورغيفاً على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنّهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقت الصيف، وأنّي لأدخل الماء بالنهار فأرشّ البيت وأدع الكوز فارغاً فأُوتى بالطعام ولا حاجة لي إليه فأتصدّق به ليلا كيلا يعلم بي من معي.

عليّ بن محمد، عن محمد بن عليّ بن إبراهيم، عن عبد الله بن صالح: أنّه رآه يعني صاحب الأمر عليه السلام عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون عليه وهو يقول: ما بهذا أُمروا.

عليّ بن محمد، عن محمد بن شاذان بن نعيم، عن خادم لإبراهيم بن عبدة النيسابوري قال: كنت واقفاً مع إبراهيم على الصفا فجاء عليه السلام حتّى وقف على إبراهيم وقبض على كتاب مناسكه وحدّثه بأشياء1.


1-حج الأنبياء والأئمة عليه السلام / معاونية شؤون التعليم والبحوث الإسلامية في الحجّ.