رجوع الى القائمة الحجّ في الروايات  

حِكمَةُ الحَج

﴿جَعَلَ اللّهُ الكَعبَةَ البَيتَ الحَرامَ قِيامًا لِلنّاسِ.
﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم ويَذكُرُوا اسمَ اللّهِ في أيّامٍ مَعلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ فَكُلوا مِنها وأطعِمُوا البائِسَ الفَقيرَ.

رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: إِنّما جُعِلَ الطّوافُ بِالبَيتِ، وبَينَ الصّفا والمَروَةِ، ورَميُ الجِمارِ لِإِقامَةِ ذِكرِ اللّهِ.
الإمام عليّ عليه السلام: وفَرَضَ عَلَيكُم حَجّ بَيتِهِ الحَرامِ، الّذي جَعَلَهُ قِبلَةً لِلأَنامِ يَرِدونَهُ وُرودَ الأَنعامِ، ويَألَهونَ إلَيهِ وُلوهَ الحَمامِ، وجَعَلَهُ سُبحانَهُ عَلامَةً لِتَواضُعِهِم لِعَظَمَتِهِ، وإذعانِهِم لِعِزّتِهِ. واختارَ مِن خَلقِهِ سُمّاعًا أجابوا إلَيهِ دَعوَتَهُ، وصَدّقوا كَلِمَتَهُ، ووَقَفوا مَواقِفَ أنبِيائِهِ، وتَشَبّهوا بِمَلائِكَتِهِ المُطيفينَ بِعَرشِهِ، يُحرِزونَ الأَرباحَ في مَتجَرِ عِبادَتِهِ، ويَتَبادَرونَ عِندَهُ مَوعِدَ مَغفِرَتِهِ، جَعَلَهُ سُبحانَهُ وتَعالى لِلإِسلامِ عَلَمًا ولِلعائِذينَ حَرَمًا.

عنه عليه السلام: ألا تَرَونَ أنّ اللّهَ جَلّ ثَناؤُهُ اختَبَرَ الأَوّلينَ مِن لَدُن آدَمَ إلَى الآخِرينَ مِن هذَا العالَمِ بِأَحجارٍ لا تَضُرّ ولا تَنفَعُ ولا تُبصِرُ ولا تَسمَعُ فَجَعَلَها بَيتَهُ الحَرامَ الّذي جَعَلَهُ لِلنّاسِ قِيامًا.
ثُمّ وَضَعَهُ بِأَوعَرِ بِقاعِ الأَرضِ حَجَرًا، وأقَلّ نَتائِقِ الدّنيا مَدَرًا، وأضيَقِ بُطونِ الأَودِيَةِ مَعاشًا وأغلَظِ مَحالّ المُسلِمينَ مِياهًا، بَينَ جِبالٍ خَشِنَةٍ ورِمالٍ دَمِثَةٍ وعُيونٍ وَشِلَةٍ وقُرًى مُنقَطِعَةٍ، وأثَرٍ مِن مَواضِعِ قَطرِ السّماءِ داثِرٍ، لَيسَ يَزكو بِهِ خُفّ ولا ظِلفٌ ولا حافِرٌ.

ثُمّ أمَرَ آدَمَ ووُلدَهُ أن يَثنوا أعطافَهُم نَحوَهُ، فَصارَ مَثابَةً لِمُنتَجَعِ أسفارِهِم، وغايَةً لِمُلقى رِحالِهِم، تَهوي إلَيهِ ثِمارُ الأَفئِدَةِ مِن مَفاوِزِ قِفارٍ مُتّصِلَةٍ، وجَزائِرِ بِحارٍ مُنقَطِعَةٍ، ومَهاوي فِجاجٍ عَميقَةٍ، حَتّى يَهُزّوا مَناكِبَهُم ذُلُلاً يُهَلّلونَ للّهِ ِ حَولَهُ، ويَرمُلونَ عَلى أقدامِهِم شُعثًا غُبرًا لَهُ. قَد نَبَذُوا القُنَعَ والسّرابيلَ وَراءَ ظُهورِهِم، وحَسَروا بِالشّعورِ حَلقًا عَن رُؤوسِهِمُ ابتِلاءً عَظيمًا واختِبارًا كَبيرًا وامتِحانًا شَديدًا وتَمحيصًا بَليغًا وقُنوتًا مُبينًا، جَعَلَهُ اللّهُ سَبَبًا لِرَحمَتِهِ، ووُصلَةً ووَسيلَةً إلى جَنّتِهِ، وعِلّةً لِمَغفِرَتِهِ، وابتِلاءً لِلخَلقِ بِرَحمَتِهِ.

ولَو كانَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى وَضَعَ بَيتَهُ الحَرامَ ومَشاعِرَهُ العِظامَ بَينَ جَنّاتٍ وأنهارٍ وسَهلٍ وقَرارٍ، جَمّ الأَشجارِ، دانِيَ الثّمارِ، مُلتَفّ النّباتِ، مُتّصِلَ القُرى, مِن بُرّةٍ سَمراءَ، ورَوضَةٍ خَضراءَ، وأريافٍ مُحدِقَةٍ، وعِراصٍ مُغدِقَةٍ، وزُروعٍ ناضِرَةٍ، وطُرُقٍ عامِرَةٍ، وحدائِقَ كَثيرَةٍ، لَكانَ قَد صَغُرَ الجَزاءُ عَلى حَسَبِ ضَعفِ البَلاءِ.

ثُمّ لَو كانَ الأَساسُ المَحمولُ عَلَيها، والأَحجارُ المَرفوعُ بِها، بَينَ زُمُرّدَةٍ خَضراءَ، وياقوتَةٍ حَمراءَ، ونورٍ وضِياءٍ، لَخَفّفَ ذلِكَ مُصارَعَةَ الشّكّ فِي الصّدورِ، ولَوَضَعَ مُجاهَدَةَ إبليسَ عَنِ القُلوبِ، ولَنَفى مُعتَلَجَ الرّيبِ مِنَ النّاسِ. ولكِنّ اللّهَ عَزّوجَلّ يَختَبِرُ عَبيدَهُ بِأَنواعِ الشّدائِدِ، ويَتَعَبّدُهُم بِأَلوانِ المَجاهِدِ ويَبتَليهِم بِضُروبِ المَكارِهِ؛ إخراجًا لِلتّكَبّرِ مِن قُلوبِهِم، وإسكانًا لِلتّذَلّلِ في أنفُسِهِم، ولِيَجعَلَ ذلِكَ أبوابًا (فُتُحًا) إلى فَضلِهِ وأسبابًا ذُلُلاً لِعَفوِهِ وفِتنَتِهِ.

عيسَى بنُ يونُس: كانَ ابنُ أبِي العَوجاءِ مِن تَلامِذَةِ الحَسَنِ البَصرِيّ، فَانحَرَفَ عَنِ التّوحيدِ... فَأَتى أبا عَبدِاللّهِعليه السلام... فَقالَ: إلى كَم تَدوسونَ هذَا البَيدَرَ وتَلوذونَ بِهذَا الحَجَرِ، وتَعبُدونَ هذَا البَيتَ المَعمورَ بِالطّوبِ والمَدَرِ، وتُهَروِلونَ حَولَهُ هَروَلَةَ البَعيرِ إذا نَفَرَ؟! انّ مَن فَكّرَ في هذا وقَدّرَ عَلِمَ أنّ هذا فِعلٌ أسّسَهُ غَيرُ حَكيمٍ ولا ذي نَظَرٍ، فَقُل فَإِنّكَ رَأسُ هذَا الأَمرِ وسَنامُهُ، وأبوكَ اُسّهُ وتَمامُهُ.

فَقالَ أبو عَبدِاللّهِعليه السلام: إنّ مَن أضَلّهُ اللّهُ وأعمى قَلبَهُ استَوخَمَ الحَقّ ولَم يَستَعذِبهُ، وصارَ الشّيطانُ وَلِيّهُ ورَبّهُ وقَرينَهُ، يورِدُهُ مَناهِلَ الهَلَكَةِ ثُمّ لايُصدِرُهُ، وهذا بَيتٌ اِستَعبَدَ اللّهُ بِهِ خَلقَهُ لِيَختَبِرَ طاعَتَهُم في إتيانِهِ، فَحَثّهُم عَلى تَعظيمِهِ وزِيارَتِهِ، وجَعَلَهُ مَحَلّ أنبِيائِهِ، وقِبلَةً لِلمُصَلّينَ إلَيهِ، فَهُوَ شُعبَةٌ مِن رِضوانِهِ، وطَريقٌ يُؤَدّي إلى غُفرانِهِ، مَنصوبٌ عَلَى استِواءِ الكَمالِ ومُجتَمَعِ العَظَمَةِ والجَلالِ.

أبانُ بنُ عُثمانَ عَمّن أخبَرَهُ عَنِ الباقِرِعليه السلام: قُلتُ لَهُ: لِمَ سُمّيَ الحَجّ حَجّا؟ قالَ: حَجّ فُلانٌ: أي أفلَحَ فُلانٌ.
الإمام الباقر عليه السلام: في قَولِ اللّهِ عَزّوجَلّ: ﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم قالَ: العَفوَ.

سَلَمَةُ بنُ مُحرِز: كُنتُ عِندَ أبي عَبدِاللّهِعليه السلام إذ جاءَهُ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ أبو الوَردِ، فَقالَ لِأَبي عَبدِاللّهِعليه السلام: رَحِمَكَ اللّهُ، إنّكَ لَو كُنتَ أرَحتَ بَدَنَكَ مِنَ المَحمِلِ!
فَقالَ أبو عَبدِاللّهِ عليه السلام: يا أبَا الوَردِ، إنّي اُحِبّ أن أشهَدَ المَنافِعَ الّتي قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : ﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم. إنّهُ لا يَشهَدُها أحَدٌ إلّا نَفَعَهُ اللّهُ؛ أمّا أنتُم فَتَرجِعونَ مَغفورًا لَكُم، وأمّا غَيرُكُم فَيُحفَظونَ في أهاليهِم وأموالِهِم.

الرّبيعُ بنُ خَيثَم: شَهِدتُ أبا عَبدِاللّهِعليه السلام وهُوَ يُطافُ بِهِ حَولَ الكَعبَةِ فِي مَحمِلٍ وهُوَ شَديدُ المَرَضِ، فَكانَ كُلّما بَلَغَ الرّكنَ اليَمانِيّ أمَرَهُم فَوَضَعوهُ بِالأَرضِ، فَأَخرَجَ يَدَهُ مِن كَوّةِ المَحمِلِ حَتّى يَجُرّها عَلَى الأَرضِ، ثُمّ يَقولُ: اِرفَعوني. فَلَمّا فَعَلَ ذلِكَ مِرارًا في كُلّ شَوطٍ قُلتُ لَهُ: جُعِلتُ فِداكَ يَابنَ رَسولِ اللّهِ، إنّ هذا يَشُقّ عَلَيكَ!

فَقالَ: إنّي سَمِعتُ اللّهَ عَزّوجَلّ يَقولُ: ﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم.
فَقُلتُ: مَنافِعُ الدّنيا أو مَنافِعُ الآخِرَةِ؟
فَقالَ: الكُلّ.

الإمام الرضا عليه السلام - فيما كَتَبَ إلى مُحَمّدِ بنِ سِنانٍ في جَوابِ مَسائِلِهِ -: إنّ عِلّةَ الحَجّ الوِفادَةُ إلَى اللّهِ تَعالى وطَلَبُ الزّيادَةِ والخُروجُ مِن كُلّ مَا اقتَرَفَ، ولِيَكونَ تائِبًا مِمّا مَضى مُستَأنِفًا لِما يَستَقبِلُ، وما فيهِ مِنِ استِخراجِ الأَموالِ وتَعَبِ الأَبدانِ وحَظرِها عَنِ الشّهَواتِ واللّذّاتِ، والتّقَرّبِ فِي العِبادَةِ إلَى اللّهِ عَزّوجَلّ والخُضوعِ والاِستِكانَةِ والذّلّ، شاخِصًا فِي الحَرّ والبَردِ والأَمنِ والخَوفِ دائِبًا في ذلِكَ دائِمًا، وما في ذلِكَ لِجَميعِ الخَلقِ مِنَ المَنافِعِ والرّغبَةِ والرّهبَةِ إِلَى اللّهِ سُبحانَهُ وتَعالى .

ومِنهُ تَركُ قَساوَةِ القَلبِ، وخَساسَةِ الأَنفُسِ، ونِسيانِ الذّكرِ، وانقِطاعِ الرّجاءِ والأَمَلِ، وتَجديدُ الحُقوقِ، وحَظرُ الأَنفُسِ عَنِ الفَسادِ، ومَنفَعَةُ مَن فِي المَشرِقِ والمَغرِبِ ومَن فِي البَرّ والبَحرِ مِمّن يَحُجّ ومِمّن لا يَحُجّ، مِن تاجِرٍ وجالِبٍ وبائِعٍ ومُشتَرٍ وكاسِبٍ ومِسكينٍ، وقَضاءُ حَوائِجِ أهلِ الأَطرافِ والمَواضِعِ المُمكِنِ لَهُمُ الاجتِماعُ فيها، كَذلِكَ لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم.

هِشامُ بنُ الحَكَم: سَأَلتُ أبا عَبدِاللّه ِعليه السلام فَقُلتُ لَهُ: مَا العِلّةُ الّتي مِن أجلِها كَلّفَ اللّهُ العِبادَ الحَجّ والطّوافَ بِالبَيتِ؟
فَقالَ: إنّ اللّهَ خَلَقَ الخَلقَ - إلى أن قالَ: - وأمَرَهُم ونَهاهُم ما يَكونُ مِن أمرِ الطّاعَةِ فِي الدّينِ، ومَصلَحَتِهِم مِن أمرِ دُنياهُم، فَجَعَلَ فيهِ الاِجتِماعَ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ لِيَتَعارَفوا، ولِيَتَرَبّحَ كُلّ قَومٍ مِنَ التّجاراتِ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، ولِيَنتَفِعَ بِذلِكَ المُكاري والجَمّالُ، ولِتُعرَفَ آثارُ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه وآله وسلم وتُعرَفَ أخبارُهُ، ويُذكَرَ ولا يُنسى ولَو كانَ كُلّ قَومٍ إِنّما يَتّكِلونَ عَلى بِلادِهِم وما فيها هَلَكوا وخُرِبَتِ البِلادُ، وسَقَطَتِ الجَلَبُ والأَرباحُ، وعَمِيَتِ الأَخبارُ، ولَم يَقِفوا عَلى ذلِكَ، فَذلِكَ عِلّةُ الحَجّ.

الإمام الصادق عليه السلام: لا يَزالُ الدّينُ قائِمًا ما قامَتِ الكَعبَةُ.
فاطمة عليه السلام: فَرَضَ اللّهُ الإِيمانَ تَطهيرًا مِنَ الشّركِ... والحَجّ تَسنِيَةً لِلدّينِ1.


1-الحج والعمرة في الكتاب والسنة/ العلامة محمد الريشهري.