حجّ الإمام الكاظم عليه
السلام
إذا خرج من منزله
أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان، عن أبي الحسن الرضا
عليه السلام قال: كان أبي يقول إذا خرج من منزله: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ، خَرَجْتُ بِحَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ، بِلاَ حَوْل مِنِّي وَقُوَّة،
بَلْ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ يَا رَبِّ، مُتَعَرِّضاً لِرِزْقِكَ فَأْتِنِي بِهِ
فِي عَافِيَة".
من لقى الإمام عليه السلام في طريق مكّة
حدّثني أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن علي بن الزبير البلخي قال:
حدّثنا حسام بن حاتم الأصمّ قال: حدّثني أبي قال: قال لي شقيق - يعني إبراهيم
البلخي: -خرجت حاجّاً إلى بيت الله الحرام في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلنا
القادسيّة قال شقيق: فنظرت إلى الناس في زيّهم بالقباب والعماريات والخيم والمضارب
وكلّ انسان منهم قد تزيّا على قدره، فقلت: اَللَّهُمَّ اِنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا
اِلَيْكَ فَلاَ تَرُدَّهُمْ خَائِبِينَ فبينما أنا قائم وزمام راحلتي بيدي وأنا
أطلب موضعاً أنزل فيه منفرداً عن الناس إذ نظرت إلى فتى حدث السن، حسن الوجه، شديد
السمرة، عليه سيماء العبادة وشواهدها وبين عينيه سجادة كأنّها كوكب دري، وعليه من
فوق ثوبه شملة من صوف، وفي رجله نعل عربي وهو منفرد في عزلة من الناس.
فقلت في نفسي: هذا الفتى من هؤلاء الصوفية المتوكّلة يريد أن يكون كلاًّ على الناس
في هذا الطريق والله لأمضينّ إليه ولأوبّخنه قال: فدنوت منه فلمّا رآني مقبلا نحوه
قال لي: يا شقيق
﴿إِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ
الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا﴾
وقرأ الآية.
ثمّ تركني ومضى فقلت في نفسي: قد تكلّم هذا الفتى على سري ونطق مما في نفسي وسمّاني
باسمي وما فعل هذا الاّ هو ولي الله الحقّة وأسأله أن يجعلني في حلّ، فأسرعت ورائه
فلم ألحقه وغاب عن عيني فلم أره.
وارتحلنا حتى نزلنا واقصة فنزلت ناحية من الحاجّ ونظر فاذاً صاحبي قائم يصلّي على
كئيب رمل وهو راكع وساجد، وأعضائه تضطرب ودموعه تجري من خشية الله عزَّ وجلَّ فقلت:
هذا صاحبي لأمضينّ إليه ثمّ لأسألنّه أن يجعلني في حلّ، فأقبلت نحوه فلمّا نظر إليّ
مقبلا قال لي: يا شقيق
﴿وَاِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾
ثمّ غاب عن عيني فلم أره فقلت هذا رجل من الأبدال وقد تكلّم على سرّي مرّتين، ولو
لم يكن عند الله فاضلا ما تكلّم على سرّي ورحل الحاج وأنا معهم إلى أن قال: ثمّ غاب
عن عيني فلم أراه حتى دخلت مكّة وقضيت حجّي فاذا أنا بالفتى في هدأة من الليل وقد
زهرت النجوم وهو إلى جانب بيت فيه السراب راكعاً وساجداً لا يريد مع الله سواه،
فجعلت أرعاه وأنظر إليه وهو يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ويرتّل القرآن ترتيلا، فكلّما
مرّت آية فيها وعد ووعيد ردّدها على نفسه ودموعه تجري على خدّه، حتّى إذا دنا الفجر
جلس في مصلاّه يسبّح ربّه ويقدّسه، ثمّ قام فصلّى الغداة وطاف بالبيت أسبوعاً وخرج
من باب المسجد، فخرجت فرأيت له حاشية وموالي، واذا عليه لباس خلاف الذي شاهدت، واذا
الناس من حوله يسألونه عن مسائلهم ويسلّمون عليه.
فقلت لبعض الناس: أحسبه من مواليه، من هذا الفتى؟ فقال لي: هذا أبو إبراهيم عالم آل
محمد قلت: ومن أبو إبراهيم؟ قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب فقلت: لقد عجبت أن توجد هذه الشواهد الاّ في هذه الذّريّة.
ولقد نظم بعض المتقدّمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال:
سل شقيق البلخيّ عنه وما عا *** ين منه وما الّذي كان أبصر
قال: لمّا حججت عاينت شخصاً *** شاحب اللّون ناحل الجسم أسمر
سائراً وحده وليس له زاد *** فما زلت دائماً أتفكّر
وتوهّمت أنّه يسأل الناس *** ولم أدر أنّه الحجّ الأكبر...
فسألت الحجيج من يك هذا؟ *** قيل: هذا الإمام موسى بن جعفر
حمدويه؛ وإبراهيم ابنا نصير، عن محمد بن عيسى، عن الوشّا، عن هشام بن الحكم قال:
كنت في طريق مكّة، وأنا أُريد شراء بعير فمرّ بي أبو الحسن عليه السلام، فلمّا نظرت
إليه تناولت رقعة، فكتبت إليه: جُعلت فداك انّي أُريد شراء هذا البعير فما ترى؟
فنظر إليه فقال: لا أرى في شراه بأساً، فان خفت عليه ضعفاً فألقمه، فاشتريته وحملت
عليه فلم أر منكراً حتى إذا كنت قريباً من الكوفة في بعض المنازل وعليه حمل ثقيل
رمى بنفسه واضطرب للموت، فذهب الغلمان ينزعون عنه فذكرت الحديث، فدعوت بلقم فما
ألقموه الاّ سبعاً حتى قام بحمله1.
1-حج الأنبياء والأئمة عليه السلام / معاونية
شؤون التعليم والبحوث الإسلامية في الحجّ.
|