رجوع الى القائمة حجّ الأنبياء والائمة  

جبرئيل علّم آدم عليه السلام المناسك

حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن سليمان الرازي قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال: حدّثنا محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر؛ وعبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا أراد أن يتوب على آدم عليه السلام أرسل إليه جبرئيل فقال له: السلام عليك يا آدم، الصّابر على بليّته، التائب عن خطيئته، إنّ الله تبارك وتعالى بعثني إليك لاُعلّمك المناسك الّتي يريد أنْ يتوب عليك بها، وأخذ جبرئيل بيده وانطلق به حتّى أتى البيت، فنزلت عليه غمامة من السّماء، فقال له جبرئيل: خطّ برجلك حيث أظلّك هذا الغمام، ثمّ انطلق به حتّى أتى به منى، فاراه موضع مسجد منى فخطّه وخطّ المسجد الحرام بعدما خطّ مكان البيت.

ثمّ انطلق به إلى عرفات، فأقامه على العرفة وقال له: إذا غربت الشّمس فاعترف بذنبك سبع مرّات، ففعل ذلك آدم، ولذلك سمّي العرفة لأنّ آدم عليه السلام اعترف عليه بذنبه، فجعل ذلك سنّة في ولده يعترفون بذنوبهم كما اعترف أبوهم، ويسألون الله عزَّ وجلَّ التوبة كما سألها أبوهم آدم، ثمّ أمره جبرئيل عليه السلام، فأفاض عن عرفات فمرّ على الجبال السّبعة، فأمره أن يكبّر على كلّ جبل أربع تكبيرات، ففعل ذلك آدم، ثمّ انتهى به إلى جمع ثلث اللّيل، فجمع فيها بين صلاة المغرب وبين صلاة العشاء الآخرة، فلذلك سمّي جَمْعاً لأنّ آدم جمع فيها بين صلاتين، فوقت العتمة في تلك اللّيلة ثلث اللّيل في ذلك الموضع.

ثمّ أمره أن يتبطّح في بطحاء جمع، فاتبطّح حتّى انفجر الصبح، ثمّ أمره أن يصعد على الجبل جبل جمع، وأمره إذا طلعت الشمس أنْ يعترف بذنبه سبع مرّات، ويسأل الله تعالى التوبة والمغفرة سبع مرّات، ففعل ذلك آدم كما أمره جبرئيل، وإنما جعل إعترافين ليكون سنّة في وُلده، فمن لم يدرك عرفات وأدرك جمعاً فقد وفى بحجّه.

فأفاض آدم من جمع إلى مِنى، فبلغ مِنى ضحى، فأمره أنْ يصلّي ركعتين في مسجد منى، ثمّ أمره أنْ يُقرّب إلى الله تعالى قرباناً ليتقبّل الله منه، ويعلم أنّ الله قد تاب عليه ويكون سنّة في ولده القربان، فقرّب آدم عليه السلام قرباناً فقبل الله منه قربانه، وأرسل الله عزَّ وجلَّ ناراً من السّماء فقبضت قربان آدم، فقال له جبرئيل: إنّ الله تبارك وتعالى قد أحسن إليك إذ علّمك المناسك الّتي تاب عليك بها وقبل قربانك، فاحلق رأسك تواضعاً لله تعالى إذ قبل قربانك، فحلق آدم رأسه تواضعاً لله تبارك وتعالى.

ثمّ أخذ جبرئيل بيد آدم فانطلق به إلى البيت، فعرض له إبليس عند الجمرة العقبة فقال له: يا آدم أين تريد؟ قال جبرئيل: يا آدم إرمه بسبع حصيات وكبِّر مع كلِّ حصاة تكبيرة، ففعل ذلك آدم كما أمره جبرئيل، فذهب إبليس، ثمّ أخذ جبرئيل بيده في اليوم الثاني، فانطلق به إلى الجمرة الأولى فعرض له إبليس، فقال له جبرئيل: إرمه بسبع حصيات وكبِّر مع كلِّ حصاة تكبيرة، ففعل آدم ذلك فذهب إبليس.

ثمّ عرض له عند الجمرة الثانية فقال له: يا آدم أين تريد؟ فقال جبرئيل: إرمه بسبع حصيات وكبِّر مع كلّ حصاة، ففعل ذلك آدم فذهب ابليس، ثمّ فعل ذلك به في اليوم الثالث والرابع فذهب إبليس، فقال له جبرئيل: إنّك لن تراه بعد مقامك هذا أبداً، ثمّ انطلق به إلى البيت فأمره أن يطوف بالبيت سبع مرّات، ففعل ذلك آدم، فقال له جبرئيل: إنّ الله تبارك وتعالى قد غفر لك وقبل توبتك وحلّت لك زوجتك.

علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسين بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث: -إنّ الله بعث جبرئيل إلى آدم فقال: السّلام عليك يا آدم التّائب من خطيئته، الصّابر لبليّته، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أرسلني إليك لاُعلّمك المناسك الّتي تطهر بها، فأخذ بيده فانطلق به إلى مكان البيت وأنزل الله عليه غمامة فأظلّت مكان البيت، وكانت الغمامة بحيال البيت المعمور فقال: يا آدم خطّ برجلك حيث أظلّت عليك هذه الغمامة فإنّه سيخرج لك بيتاً من مهاة يكون قبلتك وقبلة عقبك من بعدك، ففعل آدم عليه السلام، وأخرج الله له تحت الغمامة بيتاً من مهاة، وأنزل الله الحَجَر الأسود وكان أشدّ بياضاً من اللّبن وأضوأ من الشّمس، وإنّما إسودَّ لأنَّ المشركين تمسحوا به، فمن نجس المشركين إسودَّ الحَجَر، وأمره جبرائيل عليه السلام أن يستغفر الله من ذنبه عند جميع المشاعر ويخبره أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد غفر له؛ وأمره أن يحمل حصيات الجمار من المزدلفة.

فلمّا بلغ موضع الجمار تعرّض له إبليس فقال له: يا آدم أين تريد؟ فقال له جبرائيل عليه السلام: لا تكلمّه وارمه بسبع حصيات وكبِّر مع كلّ حصاة، ففعل آدم عليه السلام حتّى فرغ من رمي الجمار، وأمره أن يقرِّب القربان وهو الهدي قبل رمي الجمار، وأمره أن يحلق رأسه تواضعاً لله عزَّ وجلَّ ففعل آدم ذلك، ثمَّ أمره بزيارة البيت وأن يطوف به سبعاً ويسعى بين الصّفا والمروة أُسبوعاً يبدأ بالصّفا ويختم بالمروة، ثمّ يطوف بعد ذلك اُسبوعاً بالبيت وهو طواف النّساء، لا يحلّ للمحرم أن يباضع حتّى يطوف طواف النساء، ففعل آدم عليه السلام فقال له جبرائيل: إنّ الله عزَّ وجلَّ قد غفر ذنبك وقبل توبتك وأحلَّ لك زوجتك، فانطلق آدم وغفر له ذنبه وقبلت منه توبته وحلّت له زوجته.

حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ آدم عليه السلام بقي على الصّفا أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة وعلى خروجه من جوار الله عزَّ وجلَّ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا آدم ما لك تبكي؟ قال: يا جبرئيل ما لي لا أبكي وقد أخرجني الله من جواره وأهبطني إلى الدّنيا، قال: يا آدم تب إليه، قال: وكيف أتوب؟ فأنزل الله عليه قبّةً من نور في موضع البيت فسطع نورها في جبال مكّة فهو الحرم، فأمر الله جبرئيل أن يضع عليه الأعلام، قال: قم يا آدم فخرج به يوم التروية، وأمره أن يغتسل ويحرم، واُخرج من الجنّة أوَّل يوم من ذي القعدة، فلمّا كان يوم الثّامن من ذي الحجّة أخرجه جبرئيل عليه السلام إلى منى فبات بها.

فلمّا أصبح أخرجه إلى عرفات وقد كان علّمه حين أخرجه من مكّة الإحرام وأمره بالتّلبية، فلمّا زالت الشّمس يوم العرفة قطع التّلبية وأمره أن يغتسل، فلمّا صلّى العصر وقّفه بعرفات وعلّمه الكلمات الّتي تلقّى بها ربّه وهو "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلهَ اِلاَّ أَنْتَ عَمِلْتُ سُوءاً وَظَلَمْتُ نَفْسِي بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي اِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لاَ اِلهَ اِلاَّ أَنْتَ عَمِلْتُ سُوءاً وَظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي اِنَّكَ أَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لاَ اِلهَ اِلاَّ أَنْتَ عَمِلْتُ سُوءاً وَظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي اِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمِ فبقي إلى أن غابت الشّمس رافعاً يديه إلى السماء يتضرّع ويبكي إلى الله".

فلمّا غابت الشّمس ردّه إلى المشعر فبات بها، فلمّا أصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالى بكلمات وتاب عليها، ثمّ أفاض إلى منى، وأمره جبرئيل عليه السلام أن يحلق الشعر الّذي عليه فحلقه، ثمَّ ردّه إلى مكّة فأتى به عند الجمرة الاُولى فعرض إبليس له عندها فقال: يا آدم أين تريد؟ فأمره جبرئيل أن يرميه بسبع حصيات، وأن يكبّر مع كلّ حصاة تكبيرةً ففعل، ثمّ ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية، فأمره أن يرميه بسبع حصيات فرمى وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرةً، ثمّ مضى به فعرض له إبليس عند الجمرة الثّالثة وأمره أن يرميه بسبع حصيات، فرمي وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة فذهب إبليس، وقال له جبرئيل عليه السلام: انّك لن تراه بعد هذا أبداً، فانطلق به إلى البيت الحرام وأمره أن يطوف به سبع مرّات ففعل، فقال له: إنّ الله قد قبل توبتك وحلّت لك زوجتك، فقال: فلمّا قضى آدم حجّه لقيته الملائكة بالأبطح فقالوا: يا آدم برّ حجّك أما إنّا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام1.


1-حج الأنبياء والأئمة عليه السلام / معاونية شؤون التعليم والبحوث الإسلامية في الحجّ.